شعبة الدراسات التخصصية في زيارة الأربعين

مامعنى أيام زائري الحسين (عليه السلام) لا تُحسب من أعمارهم؟

نشر في 2025-09-03 09:33:16
مامعنى أيام زائري الحسين (عليه السلام) لا تُحسب من أعمارهم؟

قراءة تأملية في الأبعاد النفسية والروحية لزيارة الحسين عليه السلام

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:
"
إنّ أيام زائري الحسين عليه السلام لا تُحسب من أعمارهم ولا تُعد من آجالهم."
التهذيب - الشيخ الطوسي ٦ : ٣٦

هذا الحديث الشريف، على قِصره، يحمل معاني بعيدة وعميقة تفتح أمامنا أفقًا من التأمل في كرامة زيارة الحسين عليه السلام، وأثرها الكبير ليس فقط في البعد الأخروي والديني، بل حتى في الواقع النفسي والروحي للإنسان الزائر.

 

ماذا يعني "لا تُحسب من أعمارهم"؟ هل يعني أن أعمارهم تطول؟

لفهم هذا الحديث الشريف، نحتاج إلى التفريق بين المعنى الظاهري والمعنى الباطني أو الروحي.

المعنى الظاهري:

بعض العلماء فسّروا الحديث على ظاهره، أي أن الله سبحانه وتعالى يمدّ في عمر الزائر فعليًا، بحيث لا تُخصم أيام الزيارة من رصيده الزمني في الدنيا، كما لو أُضيفت له تلك الأيام مجانًا. وهذا التفسير له شواهد مشابهة في الروايات، كصلة الرحم والصدقة التي تُطيل العمر.

المعنى الروحي الأعمق:

لكن التفسير الأكثر عمقًا وروحية، والذي يرجّحه كثير من أهل المعرفة، هو أن تلك الأيام لا تُحسب من أعمارهم لأنها ليست من زمن الدنيا أصلًا.

أي أن:

  • الزائر حين يقصد الحسين عليه السلام، يخرج من زمن المادة إلى زمن القرب.
  • تلك الأيام تُعد من أيام الله، لا من أيام الناس.
  • هي أيام خالصة لله، نقية من شوائب الدنيا، فتُرفع من حساب الامتحان الدنيوي وتدخل في سجلّ القرب والرحمة.

فـ"لا تُحسب من أعمارهم" ليس بالضرورة وعدًا بزيادة زمنية، بل هو إعلان إلهي أن الزائر قد دخل في زمن خاص لا يقاس بالأيام والساعات، بل بالروح والمقام.

 

الأثر النفسي العميق للزيارة

قد يتصور البعض أن فضل الزيارة منحصر في الثواب الأخروي، لكن التجربة الوجدانية لزائري الإمام الحسين عليه السلام تكشف عن أثر نفسي مباشر يُحدث تحوّلًا في داخل الإنسان، من نواحٍ عدة:

1. تحرير النفس من ثقل الزمن والروتين

الزائر، وهو يخطو باتجاه كربلاء، يخرج من الإيقاع الرتيب لحياته اليومية. الطريق إلى الحسين هو طريق إلى الذات، حيث يعيد الإنسان تعريف نفسه من خلال هذه الرحلة المقدسة. لحظة الوصول إلى الضريح، لا تعني فقط الوصول إلى مكان، بل الوصول إلى معنى جديد للحياة.

2. استعادة الإحساس بالكرامة والهوية

في زمن تُستهدف فيه كرامة الإنسان ووعيه، يجد الزائر في الحسين عليه السلام تجسيدًا للكرامة والحرية. وهذا يولّد إحساسًا داخليًا بالعزة، ويُشحن الزائر بطاقة روحية تجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات.

3. الطمأنينة والسكينة

الحضور في حرم الحسين عليه السلام يولّد نوعًا فريدًا من السكينة لا يشبه أي تجربة نفسية أخرى. إنه نوع من الاحتضان الروحي، حيث يشعر الزائر أن همومه قد وُضعت جانبًا، وأنه محاط برحمة خاصة من الله عبر هذا المقام الشريف.

4. ربط الزائر بالتاريخ والمصير

زيارة الحسين عليه السلام ليست فقط فعلًا تعبديًا، بل هي موقف، وربط مباشر بين الزائر وثورة عاشوراء. هذا الربط يُنتج حالة من الوعي التاريخي والروحي، ويجعل الإنسان يشعر أن له مكانًا في مسيرة الإصلاح الإلهي.

 

ما لا يُحسب… هو ما يُخلّد

من أجمل المفارقات في الحديث الشريف أن ما لا يُحسب من الأعمار، هو بالضبط ما يُخلد في الوجدان والوجود. فأيام زيارة الحسين، وإن لم تُعد في تقاويم الأرض، إلا أنها محفوظة في سجلّات السماء، لأنها تمثّل انعتاق الإنسان من زمن المادة إلى زمن الروح.

 

الختام

حين يخرج الزائر إلى الحسين، فإنه يخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الرحمة، ومن قيد الزمن إلى فسحة الخلود، ومن هموم الذات إلى نور الولاية. وبهذا الفهم، يصبح قول الإمام الصادق عليه السلام:
"
لا تُحسب من أعمارهم"
ليس فقط وعدًا إلهيًا بزيادة العمر، بل تكريمًا للزائر، وتأكيدًا على أن اللحظة التي يقضيها عند الحسين، هي لحظة من نوع آخر… لا تُقاس بالساعة والدقيقة، بل تُقاس بالروح والمقام.

 

 

3437b382001116ceacba66235d90a449.jpeg